الولادة
الاستعداد لعملية الولادة:
قبل عملية الولادة تكون السيدة الحامل قلقة مضطربة حيث إن هذه العملية تكون قد ارتبطت في ذهنها بالألم والمعاناة مما يبعث علي زيادة توتر الحامل بدلا من استرخائها، ويؤدي ذلك إلي عرقلة التطور الطبيعي لعملية الولادة، وبالتالي إلي مضاعفة الآلام وتضخمها، وجعل الولادة صعبة ومعقدة.
وقد ثبت حديثًا أنه من الممكن اتباع بعض الطرق التي تجعل الولادة تحدث دون خوف أو ألم، وذلك من خلال التحضير الجسدي والنفسي لتحقيق ذلك الهدف: فإعطاء الحامل بعض الإرشادات المبسَّطة حول ما يجري أثناء الحمل وأثناء الولادة؛ يمكِّن الحامل من التعرف علي مراحل تطوُّر الجنين، والمكان الذي يحتله والطريق الذي سيتبعه كي يري النور، وبذلك يمكن استبدال مشاعر الخوف بالثقة والمشاركة النشطة في عملية الولادة بدلا من الخوف منها، كما أن هناك بعض التمارين الرياضية التي تُسهِّل حدوث الولادة، بحيث لو نفذتها المرأة أثناء الحمل، فإن ذلك يجعلها تواجه لحظات الولادة بهدوء وطمأنينة.
عملية الولادة:
هناك علامتان علي درجة كبيرة من الأهمية تدلان علي أنَّ الحامل صارت في المخاض، وهما:
أولاً: حدوث الطلقة: وهو عبارة عن انقباضات رحمية مؤلمة، وهذه العملية هي التي تدفع بالجنين إلي خارج الرحم، وتحدث خلال فترة تمتد لبضعة ساعات أو بضعة أيام .
وينقسم المخاض إلي ثلاث مراحل:
* المرحلة الأولي: تمتد من (12- 15) ساعة في حالة الولادة الأولي، من (6 -
ساعات للولادة الثانية، وفيها يتسع عنق الرحم، خلال سلسلة من التقلصات العضلية التي تتم علي فترات زمنية طول كل منها (20) دقيقة، وتؤدي هذه التقلصات إلي تمزق الأغشية التي تحيط بالجنين حيث يتدفق السائل الأميني إلي الخارج، ويصل اتساع عنق الرحم بذلك إلي أربع بوصات.
* المرحلة الثانية: تكون أكثر زمنًا وأكثر حدة، وتبدأ مع اكتمال اتساع عنق الرحم، وتنتهي بخروج الجنين، ومن خصائص هذه المرحلة أن الأم تقوم بدور إيجابي في دفع الجنين خلال قناة الولادة، حيث يمثل جهدها حوالي (50 %) من المجهود المطلوب، وتلعب عضلات البطن دورًا أساسيّا في هذه المرحلة . وبعد خروج الجنين يتم قطع الحبل السري الذي يكون ما زال متصلا بالمشيمة إذ إنه بمجرد أن تستقبل رئتا الطفل الوليد الهواءَ خلال القناة الأنفية تتوقف وظيفة الحبل السري نهائيَّا عن استقبال الأوكسجين من المشيمة، حيث يتم إفراز مادة هلامية تغلق أنبوب الهواء فيه.
* المرحلة الثالثة: هي تلك التي تحدث بعد الولادة بعشرين دقيقة، حيث تشعر الأم ببعض التقلصات القوية والتي تدل علي إخراج الأم للمشيمة والحبل السري والأغشية الأخري التي كانت تحيط بالطفل، وبذلك تكون عملية الولادة قد انتهت.
ثانيا: الإفراز المختلط بدم (البشارة):
وقد تراه الحامل علي ملابسها الداخلية، أو تكتشفه الطبيبة بواسطة الفحص .
وينصح الأطباء بالحركة وعدم الكسل، خصوصًا في الأيام الأخيرة من الحمل ؛ لأن الحركة تسهل عملية المخاض .
وتجدر الإشارة إلي أن هناك بعض الأغذية المفيدة للحامل مثل تمر (الرطب)، ولقد أثبت الطب الحديث أن له فوائد في حالة الولادة؛ لأنه يحتوي علي مواد قابضة للرحم، فتنقبض العضلات الرحمية؛ مما يساعد علي إتمام الولادة، ويمنع النزيف أثناء وبعد الولادة، وذلك لأن الرحم الذي لا ينقبض انقباضًا سريعًا يكون أكثر تعرضًا لهجوم الميكروبات، والرطب يحتوي علي أنواع من السكر مثل الجلوكوز والفركتوز، والبروتينات، والمعادن؛ مما يقوي المرأة علي تحمُّل الطلق، ويمدها بما تفقده من طاقة بسرعة كبيرة . كما أن الرطب مادة سهلة الهضم، تنظف الأمعاء بسهولة. ونحن نعلم أن المرأة كي تلد سريعًا تُعطي حقنة شرجية تُسهل خروج البراز الذي قد يعوق حركة الرحم وانقباضاته. ويحتوي كل مائة جرام من التمر الخالص علي (65) ملليجرام من الكالسيوم (72) ملليجرام من الفوسفور (1ر5) ملليجرام من الحديد، ويمكنها من أن تفيد الجسم بـ (353) سعرًا حراريا، كما ثبت أن التمر غني بفيتامين (أ)، وفيتامين ( ب )، بالإضافة إلي ما به من ماء وكربوهيدرات، ودهنيات، وبروتين، وألياف . وبهذا يعد التمر غذاء كاملا للفرد، والأم الحامل بصورة خاصة، ومن هنا كان التوجيه الإلهي للسيدة مريم -رضي الله عنها- عندما شعرت بآلام الوضع فأوحي إليها:{وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبًا جنيًا} [مريم: 25].
وشرب السوائل له أهمية كبيرة في تعويض ما تفقده الحامل أثناء معاناة الطلق، وتصبب العرق المصاحب له. لذلك دعا الله السيدة مريم إلي شرب الماء بقوله: {فكلي واشربي}، [مريم: 26] كما وجهها إلي الهدوء والاطمئنان والراحة النفسية: {وقري عينًا}، [مريم: 26] لأن أكثر أسباب تعثر الولادة هو الخوف والقلق، في حين أن الهدوء والاتزان يؤديان إلي ولادة ميسرة، فالله -تعالي- هو الذي يتولي إخراج المولود بلطفه ورحمته .
وقد وجهنا الرسول ( إلي قراءة بعض الآيات القرآنية التي تيسِّر عملية الولادة، فعندما اقتربت ولادة السيدة فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- وجاءها المخاض أمر النبي ( السيدة أم سلمة والسيدة زينب بنت جحش -وهما من نساء النبي (- أن تأتياها وتقرأ عندها: آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض مَنْذَ الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم} [البقرة: 255].
وقوله تعالي: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملاً خفيفًا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحًا لنكونن من الشاكرين} [الأعراف: 189].
والمعوذتين: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس من السور المحبب قراءتها أثناء عملية الولادة.
وكذلك قراءة قوله تعالي: {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثًا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إلا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} [الأعراف 54].
وعملية الولادة لها تأثير علي عملية النمو فيما بعد، فقد تكون الولادة عسرة، فتُستخدم الآلات في إتمامها، ونتيجة لذلك قد يحدث نوع من الاختناق أو نقص في الأوكسجين لدي الجنين؛ مما قد يتسبب في تلف بعض خلايا المخ أو تعويق نموها. كما أن هذه الظروف قد تؤدي إلي حالات الضعف العقلي، بالإضافة إلي إمكانية حدوث بعض التشوهات الخلقية الأخرى، إذا طالت مدة الولادة بعد انفصال المشيمة وانفجار كيس الجنين.
وقد تكون الولادة مُبْتَسَرة، وهي التي تتم قبل مرور شهور الحمل كاملة، وأخطرها ما يتم قبل مرور سبعة أشهر، وهذا النوع من الولاده قد تترتب عليه أضرار جسمية أو نفسية للطفل ؛ فقد لا يتحقق لمثل هؤلاء المواليد درجة كافية من نضج المخ، وتكون نسبة ذكائهم أقل من المعتاد.
أمَّا الأضرار النفسية التي يمكن أن تلحق بهم، فإنهم كنتيجة للحماية والرعاية الزائدة من قبل الوالدين نتيجة للولادة المبتسرة، فإن هؤلاء الأطفال لا تكون لديهم الخبرات العقلية والاجتماعية التي يستطيعون من خلالها مواجهة المشكلات المختلفة.
وعلي الأم ألا تقلق، فقد تمكن الطب الحديث من رعاية صحة المواليد الذين يولدون قبل الشهر السابع عن طريق توفير الغذاء لهم داخل حضانات خاصة.
أمَّا الولادة السعيدة فهي التي تتم بعد فترة الحمل كاملة، وتتراوح بين 259 إلي 293 يومًا دون الالتجاء إلي عمليات جراحية أوقيصرية.
استقبال المولود :
تشعر الأم بسعادة كبيرة حينما تري وليدها وقد خرج إلي الحياة، وعلي الأم أن تقرب طفلها إليها، وتضمه إلي صدرها بعد الولادة مباشرة، وذلك لأهمية هذه اللحظات في العلاقات اللاحقة بين الطفل والأم، فالتَّماس الجسدي بين الاثنين يوفِّر فرصة الاتصال بينهما، مما يمكن الطفل من تطور أمثل فيما بعد، فالنقص في الاتصال خلال هذه المرحلة يمكن أن يؤثر سلبيًا في سياق التعلق، وفي روابط الطفل والأم.
ومن الآداب الإسلامية المستحبة بعد الولادة:
(1) شكر الله علي المولود: علي الوالدين والأهل شكر الله علي ما رزقهم ولدً كان أو بنتًا، ويكون هذا الشكر والامتنان باللسان والقلب والفعل، ومن المستحب أن يصلي الأب ركعتين، ويسجد شكرًا لله علي نعمة الولد وسلامة الأم .
(2) التأذين والإقامة في أذن المولود: ويستحب ترديد الأذان في الأذن اليمني للمولود، وترديد الإقامة في أذنه اليسري ؛ ليكون أول ما يصل إلي حواسه هو ذكر الله -تعالي-، فعن عبد الله بن أبي رافع عن أبيه قال: رأيت رسول الله ( أذَّن في أذن الحسين بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة. [أبو داود والترمذي].
(3) تحنيك المولود بعد ولادته: والتحنيك معناه مضغ تمرة، ودلك حنك المولود بها، وذلك بوضع جزء من الممضوغ علي الإصبع ، وإدخال الإصبع في فم المولود، ثم تحريكه يميًنا وشمالا بحركة لطيفة، وإن لم يتيسر التمر، فليكن التحنيك بأية مادة حلوة ؛ تطبيقًا للسنة واقتداءً بفعله ( .
فعن أبي موسي -رضي الله عنه- قال: ولد لي غلام، فأتيت به النبي ( فسماه إبراهيم، فحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة، ودفعه إلي، وكان أكبر ولد أبي موسي. [البخاري].
ولعل الحكمة في ذلك إثارة اللسان ليتحرك، ولتتحرك عضلات الفم مما يهيئ المولود للرضاعة، وكذلك إيصال كمية من السكريات إلي دم الوليد للوقاية من نقص السكر في الدم الذي يمثل أحد الأخطار التي يتعرض لها الوليد.
(4) التهنئة والبشارة بالمولود: يستحب لمن ُولِد له مولود أن تزف له البشري، وأن تقدم له التهنئة بأن يقال له كما جاء في الأثر عن الحسن بن علي -رضي الله عنهما-: (بورك لك في الموهوب، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره) [النووي في الأذكار