أمر يثير العجب!الحديث عن عقل المرأة مثير للعجب حقاً! فالذين يناقشون هذا الموضوع يتسترون على فرضية في أذهانهم، مفادها ان عقل الرجل لا اشكالية فيه، بل هو كامل مكمَّل. والحقيقة الصارخة ان عقل الإنسان برمته كان ولا يزال مثار بحث ونقاش وجدل لا ينتهي عند حد. وربما تجد المرأة العزاء والسلوى، بسبب امتهانها في عقلها، في هذه الحقيقة، وفي حقيقة ان الامتهان قد امتد ليصيب الإسلام في عقله كله بمن فيه وبما فيه. فالذين ينتقدون موقف الاسلام من عقل المرأة، ولا سيما من أبناء جلدته، قد بخسوه قدره في عقله كله، من حيث الأساس الذي يقوم عليه. فهم يرون ان التدوين الذي أصّل لحضارة الإسلام وفِكْره قد قام على لغة البداوة والأعراب، لغة الرمل والبعير، لغة الانفصال والربط؛ فالعقل مشتق من عقْل البعير وعِقاله، ومن ربْطه هو وغيره من البهائم التي يعايشها ذلك البدوي الجِلْف. ذلك ما يراه المفكرون العرب، امثال الجابري وغيره، الذين يوجهون افواه البنادق والمدافع والصواريخ إلى هذا الدين من الداخل والخارج.
حديث ناقصات عقل ودينهذا الحديث رواه الشيخان وأصحاب السنن، بألفاظ مختلفة عن عدد من الصحابة، فقد روى مسلم في كتاب الإيمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا مَعْشرَ النساء تَصَدَّقْنَ وأكْثِرْن الاستغفار، فإني رأيُتكُنَّ أكثر أهل النار. فقالت امرأة منهن جَزْلة: وما لنا يا رسول الله أكثرُ أهل النار؟ قال: تُكْثِرْنَ اللَّعن، وتَكْفُرْنَ العشير، وما رأيت من ناقصاتِ عقلٍ ودين أغلبَ لذي لبٍّ مِنْكُن. قالت يا رسول الله وما نقصانُ العقل والدين؟ قال: أما نُقصانُ العقل فشهادة امرأتين تعْدِلُ شهادةَ رَجُل، فهذا نقصان العقل، وتَمكثُ الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان، فهذا نقصان الدين. ومعنى الجَزْلة أي ذات العقل والرأي والوقار، وتَكْفُرْنَ العشير أي تُنكرن حقه. ليس هناك إشكال كبير في ثبوت الحديث، فقد رُوي من طرق متعددة صحيحة وفي اكثر من كتاب، على الرغم من وجود من ينكر الحديث أو يضعفه أو يخجل من ذكره. يكمن الاختلاف في فهم الحديث وتباين النظرات إليه، بناءً على تفسيرات ونظريات متعددة. فنجد من يقبل الحديث قبولاً تاماً بمعناه الظاهر، ويحتج بحال المرأة في مختلف المجتمعات، وبانجازات الرجال العظيمة. وهناك من يستند إلى نظرية الممازحة باعتبار ان الحديث قد قيل في مناسبة عيد، وهناك من يعتمد نظرية العاطفة لكون المرأة تغلب عليها العواطف بعكس الرجال، ونجد من يعتبر ان الحديث يخبر عن واقع لا بد من تغييره. كما ان هناك من قصر نقصان العقل على الحالة التي وردت في الحديث، ولا يتعداها إلى غيرها.
رأينا في عقل المرأةلقد أوضحت رأيي في موضوع عقل المرأة في اكثر من مقالة على الإنترنت وفي الصحف والمجلات، وتجد في ارشيف الكاتب إشارة إلى بعض الروابط التي تعرض لهذا الرأي. ويتلخص رأينا في ان نقصان العقل ليس خاصاً بالمرأة، بل ويعم الرجل أيضاً، وذلك وفق نص الحديث ومدلوله، ووفق مفهوم العقل كما ينبغي ان يكون، وكما فهمه سلفنا الصالح في عهد النبوة ومن بعدهم، بعيداً عن تأثير الحضارات الاخرى. وليس أدل على ذلك من ان القرآن الكريم قد وصف الكفار بأنهم لا عقول لهم أو ان أكثرهم كذلك. وهؤلاء فيهم العظماء والعباقرة وعِلْية القوم، أي ان فيهم الرجال والنساء على حد سواء. ولا يتسع المقام هنا لمزيد من التفصيل، وسوف نشير إلى شيء من ذلك بعد الانتهاء من عرض مختلف الآراء في الموضوع في المقالات اللاحقة، كما سنفصل الموضوع برمته في كتاب عن عقل المرأة في طور الإعداد ان شاء الله تعالى.
آراء العلماء في عقل المرأةسنعرض في الفقرات التالية لآراء العلماء من أئمة الدين من السلف، وسوف نقتصر في هذه المقالة على آراء العلماء السابقين، ثم نعرض في مقالة أخرى لآراء العلماء المعاصرين والجماعات الإسلامية والمفكرين وبعض الدعاة، ونعرض في مقالة لاحقة لآراء المفكرات والداعيات الاسلاميات المعاصرات، وسوف نرى إن كنّ أتين بجديد في هذا الموضوع أم أنهن تبعن آراء الرجال وحسب.
ابن حزم • يلزم القائل بظاهر الحديث ان يكون أتم عقلاً وديناً من مريم وأم موسى وعائشة وفاطمة. والقول بغير هذا يعني ان من الرجال من هو أنقص ديناً وعقلاً من النساء.
• نقصان العقل والدين يقتصر فقط على الشهادة والحيض، ولا يتعداهما إلى غيرهما.
• هذا النقصان لا يوجب نقصان الفضل، فنساء النبي وبناته افضل ديناً ومنزلة عند الله من كل تابعي، ومن كل رجل يأتي من بعدهم إلى يوم القيامة.
ابن تيميةلخص ابن القيم رأي شيخه ابن تيمية في عقل المرأة وشهادتها كما يلي: قوله تعالى (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)، فيه دليل على أن استشهاد امرأتين مكان رجل إنما هو لإذكار إحداهما الأخرى إذا ضلت، وهذا إنما يكون فيما يكون فيه الضلال في العادة، وهو النسيان وعدم الضبط. وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (أما نقصان عقلهن فشهادة امرأتين بشهادة رجل). فبين أن شطر شهادتين إنما هو لضعف العقل لا لضعف الدين، فعُلم بذلك أن عدل النساء بمنزلة عدل الرجال، وإنما عقلها ينقص عنه. فما كان من الشهادات لا يُخاف فيه الضلال في العادة، لم تكن فيه على نصف رجل. وما يُقبل فيه شهادتهن منفردات إنما هو أشياء تراها بعينها، أو تلمسها بيدها، أو تسمعها بأذنها، من غير توقف على عقل، كالولادة والاستهلال والارتضاع والحيض والعيوب تحت الثياب. فإن مثل هذا لا يُنسى في العادة، ولا تحتاج معرفته إلى كمال عقل، كمعاني الأقوال التي تسمعها من الإقرار بالدين وغيره، فإن هذه معان معقولة ويطول العهد بها في الجملة.
وأضاف إليه ابن القيم: ان شهادة الرجل الواحد أقوى من شهادة المرأتين، لأن النساء يتعذر غالباً حضورهن مجالس الحكام، وحفظهن وضبطهن دون حفظ الرجال وضبطهم.
النووي اللب هو العقل، والمراد كمال العقل، ونقصان العقل أي علامة نقصانه. وهو تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على ما وراءه، أي قوله تعالى (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)، ويعني أنهن قليلات الضبط.
ابن حجرقال في معرض شرحه لسؤال النساء: (وما نقصان ديننا وعقلنا؟)، كأنه خفي عليهن ذلك حتى سألن عنه. ونفس السؤال دال على النقصان، لأنهن سلَّمن ما نُسب إليهن من الإكثار والكفران والإذهاب، ثم استشكلن كونهن ناقصات عقل. وما ألطف ما أجابهن به رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تعنيف ولا لوم، وخاطبهن على قدر عقولهن. وأشار بقوله (نصف شهادة الرجل) إلى قوله تعالى (فرجل وامرأتان)، لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها، وهو مشعر بنقص عقلها. وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك، لأنه من اصل الخِلقة، لكن التنبيه على ذلك خوفاً من الافتتان بهن. ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص.
الرد على هذا المقال